الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: .قال ابن عادل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)}.قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} هذا جواب قسم محذوف، ومتى كان جوابه مضارعًا مثبتًا مستقبلًا، وجب تلقيه باللام وإحدى النونين خلافًا للكوفيين حيث يعاقبون بينهما، ولا يُجيز البصريون ذلك إلا في الضرورة، وفتح الفعل المضارع لاتصاله بالنون، وقد تقدم تحقق ذلك وما فيه من الخلاف.قال القُرْطِبيُّ: وهذه الواو مفتوحَةٌ عِنْد سِيبَوَيْه؛ لالتِقَاءِ السّاكِنَين.وقال غيرُه: لَمَّا ضُمَّتَا إلى النُّونِ الثَّقِيلَةِ بُنِيَ الفِعْلُ مُضَارِعًا بمنزِلَةِ عَشَر، والبَلاَءُ يَكُون حَسَنًا وَيَكُونُ سَيِّئًا، وأَصْلَهُ: المِحْنَةُ، وقدم تقدَّمَ.قوله تعالى: {بِشَيء} متعلق بقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} والباء معناها الإلصاق، وقراءة الجمهور على إفراد شيء، ومعناها الدلالة على التقليل؛ إذ لوجمعه لاحتمل أن يكون ضربًا من كل واحد.وقرأ الضحاك بن مزاحم: {بأشياء} على الجمع.وقراءة الجمهول لابد فيها من حذف تقديره: وبشيء من الجوع؛ وبشيء من النقص.وأما قراءة الضحاك فلا تحتاج إلى هذا.وقوله: {مِنَ الْخَوْفِ} في مَحَلّ جَرِّ صفة لشيء، فيتعلّق بمحذوف.قولهُ تَعَالى: {وَنَقْصٍ} فِيه وَجْهان:أَحدُهُما: أَنْ يكُونَ معطوفًا على شَيْءٍ، والمعنى: بشيءٍ من الخَوْفِ وبنقص.والثَّانِي: أن يكون مَعْطوفًا على الخَوْفِ، أَيْ: شيءٌ من نقص الأموال.والأول أَوْلَى؛ لاشتراكهما في التنكير.قوله: {مِنَ الأَمْوَالِ} فيه خَمْسة أَوْجُه:أَحدها: أَنْ يكونَ مُتعَلقًا ب {نقص}؛ لأنه مصدر {نقص}، وهو يتعدَّى إلى واحدٍ، وقد حُذِف، أَيْ: ونقص شيء مِنْ كَذا.الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ في محلّ جَرٍّ صفة لذلك المحذوف، فيتعلّق بمحذوف، أي ونقص شيء كائن من كذا.الثَّالِثُ: أَنْ يكونَ في محلِّ نَصْبٍ صفَةً لمفعول مَحْذُوفٍ نصب بهذا المصدر المنون، والتقديرُ: ونقصُ شيء كَائِنٌ من كذا، ذكره أَبُوا الْبَقَاء.ويكونُ مَعنى {منْ} على هذين الوجهين التَّبْعِيضُ.الرَّابعُ: أَنْ يكون في محل جرِّ صِفَةً ل {نَقص}، فيتعلق بمحذوف أيضًا، أَيْ: نقص كائن من كذا، وتكونُ {مِنْ} لابتداء الغَايَةِ.الخِامِسُ: أن تكون {مِنْ} زائدةً عن الأَخْفَشِ، وحينئذ لا تعلّق لها بِشَيْءٍ.قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} الخِطَابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن أتَى بَعْدَهُ من أمته، أي: الصابرين على ابَلاَءِ والرَّزَايا، أي بشرهم بالثواب على الصبر، والصبر أصله الحبس وثوابه غير مقدر، ولكن لاَ يكُون ذلك إلا بالصَّبْر عند الصَّدْمَة الأولى لقوله عليه الصلاةُ والسَّلامُ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُوْلَى» أي الشاقة على النفس الذي يَعْظُمُ الثوابُ عليه، إنما هو عند هُجُوم المُصيبة ومَرَارتها.والصَّبْرُ صَبْرانِ؛ صَبْرٌ عن معصية الله تعالى فهذا مُجَاهِدٌ، والصبرُ عَلَى طَاعَةِ الله فهذا عَابِدٌ. اهـ. باختصار..فروق لغوية دقيقة: .الفرق بين الخوف والحذر والخشية والفزع: أن الخوف توقع الضرر المشكوك في وقوعه ومن يتيقن الضرر لم يكن خائفا له وكذلك الرجاء لا يكون إلا مع الشك ومن تيقن النفع لم يكن راجيا له والحذر توقي الضرر وسواء كان مظنونا أو متيقنا، والحذر يدفع الضرر، والخوف لا يدفعه ولهذا يقال خذ حذرك ولا يقال خذ خوفك..الفرق بين الخوف والخشية: أن الخوف يتعلق بالمكروه وبترك المكروه تقول خفت زيدا كما قال تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} وتقول خفت المرض كما قال سبحانه: {ويخافون سوء الحساب} والخشية تتعلق بمنزل المكروه، ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية ولهذا قال: {ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}.فإن قيل أليس قد قال: {إني خشيت أن تقول فرقت بين إسرائيل} قلنا إنه خشي القول المؤدي إلى الفرقة والمؤدي إلى الشيء بمنزلة من يفعله وقال بعض العلماء: يقال خشيت زيدا ولا يقال خشيت ذهاب زيد.فإن قيل ذلك فليس على الأصل ولكن على وضع الخشية مكان الخوف وقد يوضع الشيء مكان الشيء إذا قرب منه..الفرق بين الخشية والشفقة: أن الشفقة ضرب من الرقة وضعف القلب ينال الإنسان ومن ثم يقال للأم إنها تشفق على ولدها أي ترق له وليست هي من الخشية والخوف في شيء، والشاهد قوله تعالى: {الذين هم من خشية ربهم مشفقون} ولو كانت الخشية هي الشفقة لما حسن أن يقول ذلك كما لا يسحن أن يقول: يخشون من خشية ربهم ومن هذا الأصل قولهم: ثوب شفق إذا كان رقيقا وشبهت به البداة؛ لأنها حمرة ليست بالمحكمة فقولك أشفقت من كذا معناه ضعف قلبي عن احتماله..الفرق بين الخوف والرهبة: أن الرهبة طول الخوف واستمراره ومن ثم قيل للراهب راهب لأنه يديم الخوف وأصله من قولهم جمل رهب إذا كان طويل العظام مشبوح الخلق والرهابة العظم الذي على رأس المعدة يرجع إلى هذا وقال علي بن عيسى: الرهبة خوف وقع على شريطة لا مخافة، والشاهد أن نقيضها الرغبة وهي السلامة من المخاوف مع حصول فائدة، والخوف مع الشك بوقوع الشرر والرهبة مع العلم به يقع على شريطة كذا وإن لم تكن الشريطة لم تقع..الفرق بين الخوف والهلع والفزع: أن الفزع مفاجاة الخوف عند هجوم غارة أو صوت هدة وما أشبه ذلك وهو انزعاج القلب بتوقع مكروه عاجل وتقول فزعت منه فتعدية بمن وخفته فتعدية بنفسه فمعنى خفتة أي هو نفسه خوفي ومعنى فزعت منه أي هو ابتداء فزعي بنفسه فمعنى خفته أي هو نفسه خوفي ومعنى فزعت منه أي هو ابتداء فزعي لأن من لابتداء الغاية وهو يؤكد ما ذكرناه.وأما الهلع فهو أسوأ الجزع، وقيل الهلوع على ما فسره الله تعالى في قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا} ولا يسمى هلوعا حتى تجمع فيه هذه الخصال..الفرق بين الخوف والهول: أن الهول مخافة الشيء لا يدري على ما يقحم عليه منه كهول الليل وهول البحر وقد هالني الشيء وهو هائل ولا يقال أمر مهول أن الشاعر في بيت من الخفيف:وتفسير المهول أن فيه هولا والعرب إذا كان الشيء أنشئ له يخرجونه على فاعل كقولهم دارع وإذا كان الشيء أنشئ فيه أخرجوه على مفعول مثل محبون فيه ذلك ومديون عليه ذلك وهذا قول الخليل. .الفرق بين الخوف والوجل: أن الخوف خلاف الطمأنينة، وجل الرجل يوجل وجلا وإذا قلت ولم يطمئن ويقال أنا من هذا على وجل ومن ذلك على طمأنينة ولا يقال على خوف في هذا الموضع وفي القرآن {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} أي إذا ذكرت عظمة الله وقدرته لم تطمئن قلوبهم إلى ما قدموه من الطاعة وظنوا أنهم مقصرون فاضطربوا من ذلك وقلقوا فليس الوجل من الخوف في شيء وخاف متعد ووجل غير متعد وصيغتاهما مختلفتان أيضا وذلك يدل على فرق بينهما في المعنى..الفرق بين الاتقاء والخشية: أن في الاتقاء معنى الاحتراس مما يخاف وليس ذلك في الخشية..الفرق بين الخوف والبأس والبؤس: أن البأس يجري على العدة من السلاح وغيرها ونحوه قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} ويستعمل في موضع الخوف مجازا فيقال لا بأس عليك ولا بأس في هذا الفعل أي لا كراهة فيه. اهـ..الفرق بين البلاء والنقمة: أن البلاء يكون ضررا ويكون نفعا، وإذا أردت النفع قلت أبليته وفي القرآن {وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا} ومن الضر بلوته وأصله أن تختبره بالمكروه وتستخرج ما عنده من الصبر ويكون ذلك ابتداء والنقمة لا تكون إلا جزاء وعقوبة وأصلها شدة الإنكار تقول نقمت عليه الأمر إذا أنكرته عليه وقد تسمى النقمة بلاء، والبلاء لا يسمى نقمة إذا كان ابتداء والبلاء أيضا اسم للنعمة وفي كلام الأحنف: البلاء ثم الثناء أي النعمة ثم الشكر. اهـ..تفسير الآيات (156– 157): قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: اعلم أن هذه المصائب قد تكون من فعل الله تعالى وقد تكون من فعل العبد، أما الخوف الذي يكون من الله فمثل الخوف من الغرق والحرق والصاعقة وغيرها، والذي من فعل العبد، فهو أن العرب كانوا مجتمعين على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الجوع فلأجل الفقر، وقد يكون الفقر من الله بأن يتلف أموالهم، وقد يكون من العبد بأن يغلبوا عليه فيتلفوه، ونقص الأموال من الله تعالى إنما يكون بالجوائح التي تصيب الأموال والثمرات، ومن العدو إنما يكون لأن القوم لاشتغالهم لايتفرغون لعمارة الأراضي، ونقص الأنفس من الله بالإماتة ومن العباد بالقتل. اهـ..قال أبو بكر الوراق: {إِنَّا لِلَّهِ} إقرار منا له بالملك: {وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون} إقرار على أنفسنا بالهلاك، واعلم أن الرجوع إليه ليس عبارة عن الانتقال إلى مكان أو جهة، فإن ذلك على الله محال، بل المراد أنه يصير إلى حيث لا يملك الحكم فيه سواه، وذلك هو الدار الآخرة، لأن عند ذلك لا يملك لهم أحد نفعًا ولا ضرًا، وما داموا في الدنيا قد يملك غير الله نفعهم وضرهم بحسب الظاهر، فجعل الله تعالى هذا رجوعًا إليه تعالى، كما يقال: إن الملك والدولة يرجع إليه لا بمعنى الانتقال بل بمعنى القدرة وترك المنازعة. اهـ..قال القرطبي: جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب، وعصمة للممتَحنين؛ لما جمعت من المعاني المباركة؛ فإن قوله: {إنَّا لِلَّهِ} توحيد وإقرار بالعبودية والملك. وقوله: {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} إقرار بالهلْك على أنفسنا والبعث من قبورنا؛ واليقين أن رجوع الأمر كله إليه كما هو له. قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: لم تعط هذه الكلمات نبيًّا قبل نبيّنا، ولو عرفها يعقوب لما قال: يا أسَفي على يوسف. اهـ..قال الألوسي: الصلاة في الأصل على ما عليه أكثر أهل اللغة الدعاء ومن الله تعالى الرحمة، وقيل: الثناء، وقيل: التعظيم، وقيل: المغفرة، وقال: الإمام الغزالي: الاعتناء بالشأن، ومعناها الذي يناسب أن يراد هنا سواء كان حقيقيًا أو مجازيًا الثناء والمغفرة لأن إرادة الرحمة يستلزم التكرار، ويخالف ما روي «نعم العدلان للصابرين الصلاة والرحمة» وحملها على التعظيم والاعتناء بالشأن يأباهما صيغة الجمع ثم إن جوزنا إرادة المعنيين بتجويز عموم المشترك أو الجمع بين الحقيقة والمجاز أو بين المعنيين المجازيين يمكن إرادة المعنيين المذكورين كليهما وإلا فالمراد أحدهما والرحمة تقدم معناها وأتى بعلى إشارة إلى أنهم منغمسون في ذلك وقد غشيهم وتجللهم فهو أبلغ من اللام، وجمع صلوات للإشارة إلى أنها مشتملة على أنواع كثيرة على حسب اختلاف الصفات التي بها الثناء والمعاصي التي تتعلق بها المغفرة، وقيل: للإيذان بأن المراد صلاة بعد صلاة على حد التثنية في «لبيك وسعديك» وفيه أن مجيء الجمع لمجرد التكرار لم يوجد له نظير، والتنوين فيها وكذا فيما عطف عليها للتفخيم والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لإظهار مزيد العناية بهم، ومن ابتدائية، وقيل: تبعيضية، وثَمّ مضاف محذوف أي: من صلوات ربهم، وأتى بالجملة اسمية للإشارة إلى أن نزول ذلك عليهم في الدنيا والآخرة. فقد أخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه مرفوعًا: «من استرجع عند المصيبة جبر الله تعالى مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفًا صالحًا يرضاه».{وَأُوْلئِكَ} إشارة كسابقه إلى الصابرين المنعوتين بما ذكر من النعوت، والتكرير لإظهار كمال العناية بهم، ويجوز أن يكون إشارة إليهم باعتبار حيازتهم ما ذكر من الصلوات والرحمة المترتبة على ما تقدم، فعلى الأول المراد بالاعتداء في قوله عز شأنه {هُمُ المهتدون} هو الاهتداء للحق والصواب مطلقًا، والجملة مقررة لما قبل كأنه قيل: وأولئك هم المختصون بالاهتداء لكل حق وصواب، ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى، وعلى الثاني هو الاهتداء والفوز بالمطالب، والمعنى: أولئك هم الفائزون بمطالبهم الدينية والدنيوية فإن من نال كما تزكية الله تعالى ورحمته لم يفته مطلب. اهـ.
|